فصل: قال في الميزان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا الأمر يجيء من الآمر الأعلى وهو الله. فالرسول لم يقل: إن هذا الأمر منه؛ لأنه بشر مثلنا، وسبحانه أبلغ رسولنا أن يكون هو أول من أسلم، وأن ينال شرف الالتزام بمبادئ الإسلام، والمثال على ذلك أن كل قائد مسلم هو القدوة لغيره، فها هو ذا طارق بن زياد الذي فتح الأندلس وهي مُلْك عريض، ونزل من السفن وقال لجنوده: أنا لم آمركم أمرًا عنه بنجوةٍ- أي أنا بعيد عنه- بل أنا معكم، واعلموا أني عندما يلتقي الجمعان حامل بنفسي على طاغية القوم لزريق فقاتِلُهُ إن شاء الله. إنه لم يأمر بأمر لم يطبقه على نفسه، بل طبقه على نفسه أولًا، وآفة الأوامر أن كل إنسان يأمر أمرًا ولا يطبقه على نفسه.
ومن قبل ذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حكم نفسه أولًا فحكم الدنيا، لقد جمع أقاربه أولًا وقال لهم: إني سأشرع للمسلمين، والذي نفسي بيده من خالفني منكم إلى شيء فيه لأجعلنه نكالًا للمسلمين.
لقد أراد عمر- رضوان الله عليه- أن يَحْكم أقاربه أولًا ضاربًا المثل لولي أي أمر ليحكم أقاربه أولًا، وأن يحذرهم أن يستغلوا اسمه، ليستقيم الأمر بين المسلمين؛ لأن الآفة أننا نجد الكثير من الناس تتكلم في الإسلام، ويريد كل إنسان من غيره أن يكونوا مسلمين بينما هو لا يطبق على نفسه مبادئ الإسلام. والحق سبحانه وتعالى أنزل لرسوله الأمر: {قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين}.
ومعنى {أسلم} أي ألقى زمام حياته إلى من يثق في حكمته وعدله وهو الحق سبحانه وتعالى. وعندما كنا صغارًا كنا نلقي زمام أمورنا لمن يتولى تربيتنا، ونرى الآباء والأمهات وهم يتعبون ويشقون، نطيع أوامرهم إلى أن نصل إلى المراهقة فتنمو فينا الذاتية، ونجد المراهق وهو يرفض مثلًا ارتداء البنطلون القصير ويرتدي البنطلون الطويل. ويختار ألوان ملابسه في ضوء الأزياء الحديثة السائدة. وبعد ذلك يبدأ الشاب في إدارة أموره بنفسه.
وآفة حياتنا أننا نهمل تربية الأبناء وهم صغار، ثم نأتي لنقول: هيا لنربي الشباب متناسبين أن الشباب مرحلة تمتلئ بطاقة يمكن أن يستغلها المجتمع، والتربية السليمة زمانها الطفولة. {قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين}. وها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل عن رب العزة، ويخبرنا أنه صلى الله عليه وسلم أول المسلمين، وأنه تلقى الأمر بعدم الشرك بالله.
فإياكم أيها المسلمون أن تتعاظموا عل مثل هذا الأمر؛ لأن المصطفى المختار هو أول من أمره الحق بذلك، وإياك أيها المسلم أن تجد غضاضة في أن تتلقى أمرًا من خالقك؛ لأن الغضاضة قد تأتيك عندما يصدر إليك أمرٌ من مساوٍ لك، لكن التوجيه الصادر من الحق لابد أن يلزمك وترتضيه نَفْسُك ويطمئن به قلبك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجهد نفسه عندما يقابل حادثة ليس فيها حكم الله، ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم من عنده، فإن كان الحكم صحيحًا فإن الحق ينزل من القرآن ما يؤكده، وإن احتاج الحكم إلى تعديل، فإن الحق سبحانه ينزل التعديل اللازم للحكم، ويبلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعديل الحق سبحانه وتعالى له ولا يجد غضاضة في ذلك، بل يبلغنا ببشاشة وصدق وأمانة أنَّه البلاغ عن الله.
والحق سبحانه وتعالى قد مَنَّ على رسوله صلى الله عليه وسلم عندما لم يعدل في الحكم احترامًا لاجتهاده صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه: {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ الذين صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الكاذبين} [التوبة: 43].
لقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض المنافقين بالتخلف عن القتال قبل أن يتبين أمرهم ليعلم الصادق منهم- في عذره- من الكاذب. وجاء العفو من الله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد ببشريته وأبلغنا الرسول بما أنزله الله.
ونحن في حياتنا اليومية- ولله المثل الأعلى- نفتح كراسة الابن فنجد أن فيها شطبًا بالقلم الأحمر، فنسأل الابن: من الذي فعل ذلك؟ فيقول الابن: صوب لي المدرس الأول هذا الموضوع. هو لم يتحدث عن تصويب المدرس، ولكن عن تصويب من هو أعلى من المدرس. وهذا شرف للتلميذ. فما بالنا بالمصوِّب الأعلى سبحانه وتعالى. وها هو ذا الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى عن الله: {قُلْ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ...}. اهـ.

.قال في الميزان:

قوله تعالى: {قل أغير الله أخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم}.
شروع في الاحتجاج على وحدانيتة تعالى وأن لا شريك له.
والذى يتحصل من تاريخ الوثنية واتخاذ الأصنام والآلهة أنهم كانوا إنما دانوا بذلك وخضعوا للآلهة لأحد أمرين: إما أنهم وجدوا أنفسهم في حاجة إلى أسباب كثيرة في إبقاء الحياة كالتغذى بالطعام واللباس والمسكن والأزواج والأولاد والعشيرة ونحو ذلك، وعمدتها الطعام الذي حاجة الإنسان إليه أشد من حاجته إلى غيره بحسب النظر الساذج، وقد اعتقدوا أن لكل صنف من أصناف هذه الحوائج تعلقا بسبب هو الذي يجود لهم بالتمتع من وسيلة رفع تلك الحاجة كالسبب الذي يمطر السماء فينبت المرعى والكلاء لدوابهم ويمنع بالخصب لأنفسهم، والسبب الذي يدبر أمر السهل والجبل أو يلقى بالمحبة والألفة أو إليه أمر البحر والسفائن الجارية فيها.
ثم وجدوا أن قوتهم لا تفى بالتسلط على تلك الحاجة أو الحوائج الضرورية فاضطروا إلى الخضوع إلى السبب المربوط بحاجتهم واتخاذه إلها ثم عبادته.
وإما لأنهم وجدوا هذا الإنسان الأعزل غرضا لسهام الحوادث محصورا بمكاره وشرور عامة عظيمة لا يقاومها كالسيل والزلزلة والطوفان والقحط والوباء، وببلايا ومحن أخرى جزئية لا يحصيها كالامراض والاوجاع والسقوط والفقر والعقم والعدو والحاسد والشانئ وغير ذلك، ثم وضعوا لها أسبابا قاهرة هي المرسلة لها إليهم، والقاصمة بها ظهورهم، والمكدرة لصفوة عيشهم، وهى مخلوقات علوية كأرباب الأنواع وأرواح الكواكب والأجرام العلوية فاتخذوها آلهة خوفا من سخطهم وعذابهم، وعبدوها ليستميلوها بالعبادة ويرضوها بالخضوع والاستكانة فيخلصوا بذلك عن المكاره والرزايا ويأمنوا شرورها والمضار النازلة منها إليهم.
والآية أعنى قوله: {قل أغير الله أتخذ وليا} الخ، والآيات التالية لها تحتج على المشركين بقلب حجتيهم بعينهما إليهم أي تسلم أصل الحجة وتعدها حقة لكن تبين أن لازمها أن يعبد الله سبحانه وحده، وينفى عنه كل شريك موضوع.
فقوله تعالى: {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم} إشارة إلى الحجة من المسلك الأول، وهو مسلك الرجاء أن يعبد الإله لأنه منعم فيكون عبادته شكرا لإنعامه سببا لمزيده.
أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه السلام أن يبين لهم في صورة الاستفهام والسؤال أن الله سبحانه وحده هو الولى للنعمة التي يتنعم بها الإنسان وغيره لأنه هو الرازق الذي لا يحتاج إلى أن يرزقه غيره يطعم ولا يطعم، والدليل عليه أنه تعالى هو الذي فطر السموات والأرض وأخرجها من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وأنعم عليها بنعمة التحقق والثبوت، ثم أفاض عليها بنعم لا يحصيها إلا هو لإبقاء وجودها، ومنها الإطعام للإنسان وغيره فإن جميع هذه النعم المعدة لبقاء وجود الإنسان وغيره، والأسباب التي تسوق تلك النعم إلى محال الاستحقاق كل ذلك ينتهى إلى فطره وإيجاده الأشياء والأسباب ومسبباتها جميعا من صنعه.
فإليه سبحانه يرجع الرزق الذي من أهم مظاهره عند الإنسان الاطعام فيجب أن يعبد الله وحده لأنه هو الذي يطعمنا من غير حاجة إلى إطعام من غيره.
فظهر بما بيناه أولا: أن التعبير عن العبودية والتأله باتخاذ الولى في قوله: {أغير الله أتخذ وليا} إنما هو لكون الحجة مسوقة من جهة إنعامه تعالى بالاطعام.
وثانيا: أن التعلق بقوله: {فاطر السماوات والأرض} إنما هو لبيان سبب انحصار الاطعام به تعالى كما تقدم تقريره، وربما استفيد ذلك من التعريض الذي في قوله: {ولا يطعم} فإن فيه تعريضا بكون سائر من اتخذوهم آلهة محتاجين كعيسى وغيره إلى إطعام أو ما يجرى مجراه.
ومن الممكن أن يستفاد من ذكره في الحجة أنه أشارة إلى مسلك آخر في إقامة الحجة على توحيده تعالى هو أشرف من المسلكين جميعا، ومحصله أن الله سبحانه هو الموجد لهذا العالم، وإلى فطره ينتهى كل شيء فيجب الخضوع له.
ووجه كون هذا المسلك أشرف: هو أن المسلكين الاخرين وإن كانا أنتجا توحيد الاله من جهة أنه معبود لكنهما لا يخلوان مع ذلك من شئ، وهو أنهما ينتجان وجوب عبادته طمعا في النعمة أو خوفا من النقمة فالمطلوب بالذات هو جلب النعمة أو الامن من النقمة دونه تعالى وتقدس، وأما هذا المسلك فإنه ينتج وجوب عباده الله لأنه الله سبحانه.
وثالثا: أن اختصاص الاطعام من بين نعمه تعالى على كثرتها بالذكر إنما العناية فيه كون الاطعام بحسب النظر الساذج أوضح حوائج الحيوان العائش ومنه الإنسان.
ثم أمر سبحانه بعد تمام الحجة نبيه صلى الله عليه واله أن يذكر لهم ما يؤيد به هذه الحجة العقلية، وهو أن الله أمره من طريق الوحى أن يجرى في اتخاذ الإله على الطريق الذي يهدى إليه العقل وهو التوحيد، ونهاه صريحا أن يتخطاه إلى أن يلحق بالمشركين فقال: {قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم} ثم قال: {ولا تكونن من المشركين}.
بقى هنا أمران:
أحدهما: أن قوله: {أول من أسلم} إن كان المراد أول من أسلم من بينكم فهو ظاهر فقد أسلم صلى الله عليه واله قبل امته، وإن كان المراد به أول من أسلم من غير تقييد كما هو ظاهر الإطلاق كانت أوليته في ذلك بحسب الرتبه دون الزمان.
وثانيهما: أن نتيجة الحجة لما كانت هي العبودية وهى نوع خضوع وتسليم كان استعمال لفظة الإسلام في المقام أولى من لفظة الإيمان لما فيه من الدلالة على غرض العبادة، وهو الخضوع. اهـ.

.قال صاحب الأمثل:

قوله تعالى: {قل أغير الله أخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم}.
لا ملجأ غير الله!
من المفسّرين من يذكر أنّ سبب نزول الآية هو أنّه جاء جمع من أهل مكّة إِلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا: يا محمّد، إِنّك تركت دين قومك، ولم يكن ذلك إِلاّ بسبب فقرك، فاقبل منّا نصف أموالنا تكن غنيًا على أن تترك آلهتنا وشأنها وتعود إِلى ديننا، فنزلت هذه الآية ترد عليهم.
سبق أن قلنا: إِنّ آيات هذه السورة نزلت مرّة واحدة في مكّة، كما جاء في الأخبار المروية، لذلك لا يمكن أن يكون لكل منها سبب نزول خاص، غير أنّ أحاديث كانت قد جرت قبل نزول هذه السورة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين وبعض هذه الآيات تشير إِلى تلك الأحاديث، لذلك ليس ثمّة ما يمنع أن تكون أحاديث من هذا القبيل أيضًا قد جرت بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين، فيشير القرآن في هذه الآيات إِلى أحاديثهم ويرد عليهم.
على كلّ حال، الهدف من نزول هذه الآيات هو إِثبات التوحيد ومحاربة الشرك وعبادة الأصنام فالمشركون، وإِن اعتقدوا أنّ الله هو خالق العالم، كانوا يتخذون من الأصنام ملجأً لأنفسهم، ولربّما اتخذوا صنمًا لكل حاجة معينة، فلهم إله للمطر، وإِله للظلام، وإله للحرب والسلم، وإله للرزق، وهذا هو تعدد الأرباب الذي ساد اليونان القديم.
ولكي يزيل القرآن هذا التفكير الخاطئ، يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن {قل أغير الله اتّخذ وليًا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم}.
فإذا كان هو خالق عالم الوجود كله دون الإِستناد إِلى قدرة أُخرى، وهو الذي يرزق مخلوقاته، فما الذي يدعو الإِنسان إِلى أن يتخذ من دونه وليًا وربًّا؟ وإنّ كل الأشياء غيره مخلوقات وهي بحاجة إليه في كل لحظات وجودها، فكيف يمكن لها أن تقضي حاجة الآخرين؟
هذه الآية تستعمل كلمة {فاطر} في حديثها عن خالق السموات والأرض، وأصل الفطر والفطور هو الشق، يروى عن ابن عباس أنّه قال: ما عرفت معنى فاطر السموات والأرض إِلاّ عندما رأيت أعرابيين يتنازعان على بئر قال أحدهما: «أنا فطرتها» أي أنا أحدثتها وأو جدتها.
ولكننا اليوم أقدر من ابن عباس على معرفة معنى فاطر بالإِستعانة بالعلوم الحديثة، أنّه تعبير ينسجم مع أدق النظريات العلمية الحديثة عن تكون العالم، لقد أظهرت دراسات العلماء أنّ العالم الكبير (الكون) والعالم الصغير (المنظومة الشمسية) كانت كلها كتلة واحدة تشققت على أثر الإِنفجارات المتتالية، وتكونت المجرات والمنظومات والكرات، وفي الآية (30) من سورة الأنبياء بيان أوضح لهذا الأمر: {أو لم ير الذين كفروا أنّ السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما}.
والنقطة الأُخرى التي ينبغي ألا نغفل عنها في هذه الآية هو أنّها تقتصر على توكيد إتصاف الله باطعام مخلوقاته ورزقهم، ولعل ذلك إِشارة إِلى أنّ أقوى حاجات الإِنسان في حياته المادية هي حاجته إِلى لقمة العيش كما يقال، وهذه اللقمة هي التي تحمل الناس على الخضوع لأصحاب المال والقوّة، وقد يصل خضوعهم لأُولئك حدّ العبودية، ففي هذا يقرر القرآن رزق الناس بيد الله لا بيد هؤلاء ولا بيد الأصنام، فأصحاب المال والقوّة هم أنفسهم محتاجون إِلى الطعام، وأنّ الله هو وحده الذي يطعم الناس ولا يحتاج إِلى طعام.
وفي آيات أُخرى نرى القرآن يؤكّد مالكية الله ورازقيته بإنزال الأمطار وإِنبات النباتات، وذلك لكي يزيل من أذهان البشر كليًا فكرة اعتمادهم على مخلوقات مثلهم.
ثمّ للردّ على أُولئك المشركين الذين كانوا يدعون رسول الله إِلى الإِنضمام إِليهم، يؤكّد القرآن على ضرورة رفض دعوة هؤلاء إِنطلاقًا من مبدأ نهي الوحي الإِلهي عن ذلك، إِضافة إِلى نهي العقل: {قل إِنّي أُمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكونن من المشركين}.
لا شك أنّ أنبياء الله والصالحين من أقوامهم سبقوا النّبي الخاتم في استسلامهم لأمر الله وعليه فإن قوله تعالى: {إِنّي أُمرت أن أكون أوّل من أسلم} يعني أوّل مسلم من أُمّة الرسالة الخاتمة.
كما أنّ هذا إِشارة إِلى أمر تربوي مهم أيضًا، وهو أنّ كل قائد ينبغي أن يكون في تطليق تعاليم دينه قدوة وطليعة، عليه أن يكون أوّل المؤمنين برسالته، وأوّل العاملين بها، وأكثر الناس اجتهادًا فيها، وأسرعهم إِلى التضحية في سبيلها.
الآية التّالية فيها توكيد أشدّ لهذا النهي الإِلهي عن إِتّباع المشركين: {قل إِني أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم} أي يأمر الله رسوله أن يقول بأنّه ليس مستثنى من القوانين الإِلهية، وأنّه يخاف- إِن ركن إِلى المشركين- عذاب يوم القيامة.
ومن هذه الآية نفهم أيضًا أنّ شعور الأنبياء بالمسؤولية يفوق شعور الآخرين بها.
ولكي يتّضح أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستطيع شيئًا بغير الاستناد إِلى لطف الله ورحمته، فكل شيء بيد الله وبأمره، وحتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه يترقب بعين الرجاء رحمة الله الواسعة، ومنه يطلب النجاة والفوز: {ومن يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين}.
هذه الآيات تبيّن منتهي درجات التوحيد، وترد على الذين كانوا يرون للأنبياء سلطانًا مستقلا عن إرادة الله، كما فعل المسيحيون عندما جعلوا من المسيح عليه السلام المخلّص والمنقذ، فتقول لهم: إِنّ الأنبياء أنفسهم يحتاجون إِلى رحمة الله مثلكم. اهـ.